تقديم
عزيزى القارىء :
إن أعذب الحديث حديث النفس للنفس 0
فيه صفاء للروح ونقاء للسريرة ونقاوة من لوثة المعاصى وارتقاء بالفكر 0 وهو مرآة كاشفة لخوالج النفس ومكنوناتها وتثبيت للقيم والمبادئ الأخلاقية السائدة 0 وعودة إلى الله سبحانه وتعالى لتسمو تلك النفس إلى عالم نورانى 0 وتتغلب نوازع الخير على نوازع الشرِّ فيحيا الإنسان مطمئن النفس 0 ناعم البال 0 مرتاح الضمير 0
ولعل هذا الحديث الذى بين يديك يعبِّر عن رحلة عمر تقارب الستين عاماً هى عمرى الذى عشته منذ مولدى فى الرابع من ديسمبر 1948م بمدينة قلين بكل ما فيه من أفراح وأتراح 0 حيث ألحقنى والدى رحمه الله بكتّاب القرية فى سن الطفولة فحفظت القرآن الكريم ثم التحقت بالتعليم العام وظهرت ميولى الأدبية وبخاصة حبى لشعر الفصحى خلال سنوات الدراسة وكنت من المتفوقين فى التعليم الابتدائى ثم التعليم الإعدادى ثم الثانوى
العام وكان والدى يرحمه الله يأملَ أن أكُون طبيباً ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السَّفن فرسبت فى الثانوية العامة سنة 1969م وفجَّرت تلك الحادثة كوامن الشعر فى نفسى فكتبت أول قصيدة عقب ظهور نتيجة الثانوية العامة سنة 1969م مطلعها :
اليوم يا أختاهُ جاءت محنتى اليوم بين الراسبين نتيجتى
اليوم يا أختاهُ يوم قيامتـى اليوم يا أختاهُ هَيَّا صَوَّتى
ثم نجحت فى العام التالى والتحقت بكلية التجارة بطنطا 0
وبدأت رحلتى مع شعر الفصحى ولم تكن الموهبة قد نضجت بعد فكتبت عن البيت الريفى المبنى بالطوب اللبن قصيدة مطلعها :-
يا بيت إنــى منك حيران وعليك منى لعنةُُ وهوانُ
فيك الضفادع تزدهى ألوانها وتروح فيك وكلهن أمانَ
كما عَبَّرتُ عن أول تجربة عاطفية فى سن المراهقَة فى قصيدة غزلية فكاهية مطلعها :-
أبلغت سَلْوَى غايِةَ الاعجاب فَرَمَتْ بوجهى فردة القبقاب
لاطفتها ونهرتهـا بتودُّدٍ فَجًرتْ إلىَّ وجرجرت أثوابى
ثم بدأت مرحلة نضج الموهبة الشعرية أثناء الدراسة بالجامعة
ففزت بالجائزة الأولى لشعر الفصحى بكلية التجارة عن قصيدة مطلعها : -
أغار من شوقى إليكِ وَحُجَّتى أنَّى لغيرك ما شكوتُ وجيعتى
وكان حضورى ومشاركتى فى المهرجانات الشعرية والمؤتمرات الأدبية بكليات الجامعة وقصور الثقافة بالمحافظات هو البوتقة التى انصهرت فيها الموهبة الشعرية مما دفعنى إلى المزيد من قراءة دواوين الشعراء القدامى والمحدثين ودرسَتُ باستفاضة قواعد اللغة العربية وآدابها وعلم العروض وأبحر الشعر وما يطرأ عليها من زحافات وعلل حتى استقام عودى ونضجت موهبتى واستطعت أن أجد لنفسى موضع قدم أقف فيه بين شعراء السبعينيات الميلادية حتى اليوم محافظاً على الأصالة والمعاصرة كلما شدَّنى تيار الحداثة إليه شبراً أجدنى مشدوداً إلى شعر الأصالة والطبع عدة أمتار 0 ومن ثم جاءت قصائدى تعزف على ألحان خليلية لتعبَّر عن هموم الإنسانية بصفة عامة وهموم الإنسان المصرى بصفة خاصة 0
يبدو ذلك واضحاً من خلال ما تطالعه فى (( حديث النفس )) آملاً أن يجد هذا الحديث قبولاً لدى كل نفس 0
والله من وراء القصد 0
اسماعيل بُرَيِّكِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق