الثلاثاء، 26 يناير 2010

الشاعر / احمد محمد عرفات

من شعراء كفر الشيخ
الشاعر / احمد محمد عرفات
جوهرة في ثري بيلا ( 1908م- 1994م )
بقلم الشاعر / إسماعيل بريك
* رحلة البحث عن الشعراء :
كم هي مضنية رحلة البحث عن الشعراء المجيدين الذين رحلوا عن الدنيا ودفنوا في ثرى قراهم وتركوا قصائدهم مخطوطة بأيديهم أمانة في أيدي ورثتهم تنتقل معهم من جيل إلي جيل فمنهم من يحافظ عليها ويعمل جاهداً علي نشرها لتكون إضافة جديدة لديوان العرب . ومنهم من يتركها لبائعي الفول والطعمية تباع فيها السندوتشات وتلك مأساة المبدعين وما أكثرهم . وقد استنت الهيئة العامة لقصور الثقافة في الآونة الأخيرة سنة حسنة بعقد مؤتمرات أدبية كل عام بكل إقليم من أقاليم مصر لإلقاء الضوء علي إبداعات أبناء الإقليم من الراحلين والأحياء . وقد التقيت في المؤتمر الأدبي السابع لإقليم شرق الدلتا الثقافي بالمنصورة المنعقد خلال الفترة من 21- 23 مايو سنة 2008 م بالروائي الرقيق محمود عرفات ولفت انتباهه الدراسة التي أعددتها عن شاعر البراري الراحل / محمد السيد علي شحاتة من بيلا بكفر الشيخ وشاعر مطوبس الراحل / إبراهيم دقينش وأبدي إعجابه بالجهد المبذول في تلك الدراسة وفاجأني بان والده المرحوم الشاعر / احمد محمد عرفات كان من جيل هذين الشاعرين وانه شاعر مجيد وصاحب ثقافة رفيعة فقد حرص علي اقتناء وتجليد كل أعداد مجلتي الرسالة والرواية التي كان يصدرها أديب العربية الكبير الأستاذ / احمد حسن الزيات وانه كان متابعاً للحركة الأدبية وقد كتب الشعر منذ حياته الباكرة لكن بعده عن القاهرة لم يمكنه من الاتصال الوثيق بالحركة الثقافية والشعرية في مصر وبالتالي لم يتمكن من إصدار أي ديوان شعر له رغم جودة إبداعه واكتفي بمراسلة الصحف ونشر شعره بها في الثلاثينيات والأربعينيات الميلادية . وعقدت الدهشة لساني فانا لم اقرأ لهذا الشاعر أي قصيدة ولم أتعرف علي إبداعه الأدبي فأجابني الروائي محمود عرفات بان والده يرحمه الله ترك كل شعره مخطوطاً . فوجدتني يدفعني الشوق للتعرف علي إبداعات هذا الشاعر ورجوته أن يبعث لي عدداً من قصائد والده وسيرته الذاتية . وانصرف الرجل علي وعد بلقاء قريب بعد أن أدرك مدى شغفي وحبي للبحث عن الشعراء والمبدعين الذين عاشوا في الظل ورحلوا في صمت ولم يشعر بهم احد من المهتمين بجمع التراث رغم انهم كانوا اشعر من غيرهم . ومرت الأيام تلو الأيام وإذا بي التقى مرة أخرى في مؤتمر كفر الشيخ الأدبي الثالث بمطوبس الذي عقد في 22/6/2008 م بالروائي الأديب محمود عرفات الذي قابلني متهللا وأعطاني مظروفا به حوالي أربعون قصيدة من شعر الفصحي لوالده الشاعر الراحل احمد محمد عرفات مخطوطة بخط بديع يشبه سلاسل الذهب مرفقا بها سيرته الذاتيه فشكرته علي ذلك الكنز الثمين وعكفت علي قراءة تلك القصائد مرات ومرات فإذا بي أمام جواهر نفيسة تنتظم في عقد فريد أسماها الشاعر الراحل احمد محمد عرفات بعنوان ( خواطري ) وقد كتبها خلال الفترة من 1932م – 1946 م. في العقدين الثاني والثالث من عمره .
** حياته ومولده :
ولد الشاعر احمد محمد عرفات في 13/7/1908م في بيلا – محافظة كفر الشيخ حالياً " البراري من أعمال الفؤادية سابقا " وحصل علي كفاءة المعلمين بالمحلة الكبرى عام 1929م ثم عين بالتربية والتعليم مدرساً بالتعليم الابتدائي عام 1929م وتدرج في سلك التدريس حتى وصل إلي ناظر مدرسة ابتدائية عام 1945م حتي عام 1960م ثم موجهاً للتعليم الابتدائي حتى أحيل إلي المعاش عام 1968م وكانت وفاته بتاريخ 28 مارس 1994م عن عمر يناهز ستا وثمانين عاماً قضاها في رحال العلم والأدب في اشرف مهنة عرفتها البشرية وهي مهنة التدريس وقت أن كان للتدريس هيبته وللمعلم مكانته في زمن كانت نسبة المتعلمين فيه لا تتعدى الخمسة بالمائة تقريباً ولا يلتحق بالتعليم إلا أبناء الطبقة الميسورة الحال .
** قراءة في شعر احمد عرفات :
بمطالعة المجموعة الشعرية المخطوطة للشاعر احمد محمد عرفات المعنونة بعنوان " خواطري " والتي كتبت قصائدها خلال العقد الثاني والثالث من حياة الشاعر ( 1932 م – 1946م ) نجد أنها كتبت خلال أنضج فترات عمر الشاعر وأخصبها وأن الشاعر احمد عرفات كتب معظم قصائد تلك المجموعة في عدة أغراض شعرية منها الغزل الرقيق وحب الوطن والفخر والمديح وشعر الوجدان وأنه شديد الارتباط بجذوره في بيلا فنقرأ له قصيدة بعنوان " وكفاني " يعبر فيها عن مدى حبه لأهله في بيلا فيقول :
بيلا وهبت لك الفؤاد محرراً
وعواطفي ومشاعري وبياني
أقسمت أني لا أحيد هنيهة
عن حب أهلك خيرة الشجعان
حب البلاد فضيلة قدسية
والبغض شيمة خائن وجبان
* ويستمد الشاعر احمد عرفات من حبه لبيلا حبه لنائبها في البرلمان في ذلك الوقت الأستاذ / البيلي فيصف في هذه القصيدة شجاعة البيلي في مناقشة الوزراء في أخطائهم والمطالبة بمصالح الوطن والمواطن فيقول معبراً عن ذلك :
لما وقفت تهد من أركانهم
وكيانهم في مجلس الأعيان
وتناقش الوزراء في أخطائهم
في صدق إيمان وحلو بيان
قال المريب : دسيسة قلت : احتشم
من أنت حتى ترتقي لمكاني ؟
وطنية البيلي شعر خالد
يا بوق مكرم يا حقير الشان
وإذا انتقلنا إلي الغزل عند الشاعر احمد عرفات وجدناه شاعراً محباً لدرجة الثمالة يذوب عشقاً في هوى محبوبته .. كيف لا وهو في ريعان الشباب فنراه في غزله رقيقاً عفيفاً تارة وتارة أخرى نراه غزلاً صريحاً مكشوفاً فنقرأ له من قصيدة بعنوان : " خذلتك يا قلبي " يقول :
نظرت إليها خلسة فوجدتها
ملاكاً ولكن في ثياب فتاة
فأكبرت فيها الحسن ثم تركتها
ولم أدر أني قد تركت حياتي
رجعت ولما لم أجد أثراً لها
ولا لفؤادي همت في الطرقات
* والشاعر احمد عرفات شاعر يتميز شعره بخفة الدم تسرى في أبياته روح المرح والدعابة يقول في قصيدة له بعنوان لماذا ؟
لماذا يا سعاد يدق قلبي
إذا ذكر اسمك الغالي لماذا ؟
أتسري كهرباء الحي فيه
فيطلب عند ربته ملاذا ؟
* وفي قصيدة أخرى بعنوان أسماء يقول فيها :
أسماء لا ملق ولا إغراء
إن قلت أنت الحسن يا أسماء
خد أسيل ... مقلة فتاكة
انف رقيق ... مبسم وضاء
جيد كأنبوب الشراب مزين
أما القوام ففتنة علياء
أسماء انك درة مكنونة
جل الذي أنشاك يا حسناء
* ونقرأ للشاعر احمد عرفات قصيدة غزلية أخرى بعنوان " ليلي " يقول فيها :
إن العواذل شأنهم
إفساد ما هو مستتب
حسد العزول يذيبه
عطف الحبيب علي المحب
ليلي تعالي وانظري
ضعفي وقلبي ملتهب
وترفقي بمتيم
يقضي الليالي ينتحب
* فهو شاعر محب ولهان يذوب في هوى محبوبته يكابد الشوق دائماً شأنه شأن كل محب فنقرأ له من قصيدة بعنوان :" إني احبك " فيقول فيها :
مالي أردد دائما ذكراك
ويهزني شجو الحمام الباكي
ويفيض دمعي هاطلا عند اللقا
ويدق قلبي قائلا رحماكي
لا شيء إلا أنني بك مغرم
فصلي محباً لا يطيق نواك
إني احبك من جميع عواطفي
فتعطفي وترفقي بفتاك

* ويصور الشاعر احمد عرفات محبوبته في قصيدة أخرى بأنها غزالة ترنو بلحظ وتخطر مثل غصن البان وتزهو بجمالها علي الأنام فيقول في قصيدة بعنوان : " تعانقنا " :
أحب غزالة ترنو بلحظ
هو السحر الحلال بلا كلام
وتخطر مثل غصن البان حقاً
وتزهو بالجمال علي الأنام
ولست بكاذب أن قلت فيها
يشابه وجهها بدر التمام
* وفي قصيدة أخرى بعنوان :" ترفق " يصور لنا الشاعر احمد عرفات هجر الحبيب للمحبوب دون أي ذنب يقترفه فيقول :
أراك هجرتني من غير ذنب
سوى أني محب مستهام
فهل عاقبتني لعظيم وجدي ؟
حرام أن تعاقبني حرام
* وفي عام 1937م عندما التحق الشاعر احمد عرفات بالتدريس بالحامول براري كتب قصيدة يصور فيها حنينه إلي بيلا بعنوان : " يا ليت شعري " يقول :
ذقت الشقاوة في الحامول منفرداً
فحبذا لو أتيح العيش في بيلا
بين الرفاق الالي فاضت محبتهم
وبين من لا يرى عن صحبتي حولا
وقرب ليلي وليلي منتهي أملي
بالرغم من أن قلبي بات مشتعلا
أعيش وحدي ولكن في محبتها
تفني حياتي ولا أرضي بها بدلا
* وإذا تركنا شعر الغزل عند الشاعر احمد عرفات وانتقلنا إلي حب الوطن فإننا نقرأ قصيدة له بعنوان " يا شباب النيل " نشرت بجريدة روز اليوسف في 30 يولية سنة 1935م يقول فيها :

يا شبابا وادعاً مثل الحمل
يتغني كل وقت بالأمل
اترك الراحة وابرز للعمل
واهجر الغيد وأيام الغزل
واسع في إسعاد مصر البائسة
يا شبابا كل من طول الرقاد
وغدا أضحوكة بين العباد
قم كفاك النوم واخرج للجهاد
واطرد الغاصب وانهض بالبلاد
ولتمت في حب مصر البائسة
* والشاعر احمد محمد عرفات يحدد المبدأ الذي يسعي إلي تحقيقه في الحياة وهو " الاتحاد ورفعة الأوطان " يبدو ذلك واضحاً في قصيدة بعنوان " وكفاني " يقول في مطلعها :
أنا أن نطقت فقائدي إيماني
وإذا مدحت فرائدي وجداني
لا أبتغي أدبا ولا لي غاية
يملي الجنان فيستجيب لساني
بالحق أهتف ما حييت مجاهداً
وعلي الحقيقة قد وقفت جناني
لي مبدأ أسعي إلي تحقيقه
هو الاتحاد ورفعة الأوطان
* ثم نعود إلي الغزل مرة أخرى عند الشاعر احمد عرفات فنرى أن لغة الحوار هي الغالبة علي معظم قصائده متأثراً بعمر بن أبي ربيعة وبخاصة وهو في ريعان الصبا والشباب فنقرأ له قصيدة بعنوان " دع يدي " يغلب عليها روح الخفة والمرح فيقول مصورا لقاءه بمحبوبته :
جاءت تهادي مثل ظبي أخيف
فهتفت يا روحي ارحمي وتعطفي
وقفت ومدت راحة هي آية
في الحسن فاستقبلتها بتهلف
وضغطت راحتها قليلا فانثنت
يا حسنها لما انثنت بتأفف
ثم استشاطت مثل قط هائج
وغدت تئن أنين شخص مدنف
صرخت وقالت : دع يدي واعمد إلي
شفتي فقبلهما – فقط – وتلطف
خليت راحتها وقلت معانقا
إني احبك من جميع عواطفي
* ويردد الشاعر احمد عرفات نفس المعني في قصيدة له بعنوان :" يا دهر " فيقول :
ذهبت أويقات الصفاء وخلفت
في القلب ناراً سببت إيلامي
كم سرت والمحبوب في غسق الدجي
متأبطا زنداً كعود رخام
فأبث ما عندي وتشرح ما بها
وأقول أه فتنمحي آلامي
وأضمها وتضمني وتقول لي :
لك لا لغيرك مهجتي وغرامي
* ونقرأ له قصيدة أخري بعنوان " جددت عهدي " يؤكد مدى هيامه بمحبوبته فيقول :
قابلتها ليلا بدير الناحية
فأخذتها وذهبت نحو الساقية
وطفقت احضنها والثم ثغرها
وأبث أشواقي وكانت صاغية
وأقول من فرط الغرام ولوعتي
يا مهجتي هل تعلمين ما بيه
قالت ودمع العين يحبس صوتها
عندي من الأشواق ما أبلانية
إن كنت ترجو أن تراني مرة
فأود أن أرعاك طول نهارية
جددت عهدي والحبيب يضمني
والقلب يخفق والعواطف جارية
* وفي قصيدة له بعنوان : " رأيتك " يصور لنا مدى لهفته وشوقه لرؤية محبوبته فيقول :
رأيتك ثم قادمة إلينا
فهم ابن الضلوع بالانطلاق
يريد لو استطاع العدو يجري
ليلقي من سبته بالعناق
فقلت له : رويداً يا قؤادي
ولا تعجل فحسبي ما ألاقي
فراح يدق في عنق ضلوعي
كمنتقم ولكن في اصطفاق
وجن جنونه فازداد ضعفي
وكادت تبلغ الروح التراقي
وكيف يراد من قلبي اصطباراً
وهل يقوي الفؤاد علي الفراق ؟
* ويبدو أن نعيم الحياة لم يدم طويلا لشاعرنا الرقيق احمد عرفات فنراه ينظم قصيدة تشاؤمية بتاريخ 19 فبراير سنة 1936م وهو في ريعان الشباب بعنوان " بين اليأس والرجاء " يخاطب فيها الموت فيقول :
لله درك إني أتيت وزرتني
يا موت أني قد سئمت بقائي
حط الأسي في منزلي برحاله
والحزن آثر صحبتي وأخائي
والنوم زايل مقلتي تجنيا
والصبر عاداني وقل لقائي
وغدت حياتي كالجحيم فبدلت
أفراحها وهناؤها بشقاء
* ويبرر لنا أسباب تشاؤمه من الحياة فيقول :
فيم البقاء علي حياة لم يعد
للمصلحين بها اقل رجاء
فيم البقاء علي حياة لم يكن
للمجرمين بها اقل جزاء
فيم البقاء علي حياة كلها
زيف وتدليس ومحض رياء
فيم البقاء علي حياة أهلها
لم يعلموا بالملة السمحاء
فزهدت في الدنيا ورمت فراقها
وأخذت احفر حفرة لثوائي
* وبعد كانت هذه إطلالة علي المجموعة الشعرية المخطوطة لشاعر بيلا الراحل احمد عرفات بعنوان " خواطري " والتي تمثل باكورة إنتاجه الأدبي فقد كتبت قصائدها في العقد الثاني والثالث من عمر الشاعر خلال الفترة ( 1932 – 1946 م ) وقد انتقل الشاعر احمد عرفات الي رحمة الله تعالي في 28 مارس سنة 1994 عن عمر يناهز ستا وثمانين عاما فأين إنتاجه الأدبي خلال الفترة من 1946 م حتي 1994 م أم إن إبداعه الشعري خلال تلك الفترة قد فقد وهو يمثل انضج فترات العمر وبخاصة بعد قيام ثورة 1952 وازدهار الحركة الأدبية وظهور موجة تيار الحداثة والصراع بين الأصالة والمعاصرة . سؤال يبحث عن إجابة شافية ولا شك إن الإجابة علي هذا السؤال لدي الروائي الرقيق محمود عرفات ابن الشاعر الراحل احمد عرفات والذي اعلم جيدا انه يعمل جاهدا لدي كل المؤسسات الثقافية المعنية بحفظ التراث لكي تبادر بنشر دواوين الشاعر الراحل احمد عرفات ويبقي نداء أخر إلي السيد محافظ كفر الشيخ أن يكون ديوان الشاعر الراحل احمد عرفات ابن بيلا كفر الشيخ له الأولوية في الطبع والنشر ضمن إصدارات محافظة كفر الشيخ التي وافق عليها سيادته في مؤتمر كفر الشيخ الأدبي الثالث بمطوبس الذي عقد في 22/6/2008م
والله من وراء القصد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق