الخميس، 26 يناير 2012

إسماعيل بريك .. شاعراً

إسماعيل بريك .. شاعراً
بقلم / عبد الرحيم الشهاوي
الشاعر إسماعيل بريك الذي بدأت براعمه تتفتح في رياض الشعر العربي في بدايات السبعينيات من القرن المنصرم . أخذت جذوره تتعمق في تربة القريض العربي ... فترسخت قواعدها وازدهت سيقانها ... وتفتحت براعمها باعثة شذاها وعطرها الفواح في سماوات الإبداع الشعري المميز ... حيث اهتم بشئون الحياة وهموم المهمشين وصغار الموظفين والمطحونين والواقفين مكدسين في قطار الدرجة الدنيا حيث لا يهتم بهم أحد ولا يشعر بهم إنسان ولا يحس بوجودهم نظام كرس جهده للأثرياء ولوي رقاب الفقراء والبؤساء فازداد الفقير فقراً والبائس بؤساً والمريض مرضاً حيث ظهرت في بلادنا طبقتان .. طبقة تتمرغ في النعيم وطبقة تتمرغ في الطين والجحيم .
الشاعر إسماعيل بريك وقف مع الشعب ودافع عن قضيته واهتم بشئونه ولذلك فاضت وجدانياته بالنبض والحس والشعور العارم مع هذا الشعب الضحية .. فجاءت قصائده الرائعة عن قطار الموت وزمن الغلاء وهموم الموظف واهل المعاشات ورصيد الأجازات يقول في قصيدته " هموم الموظف " :
وقف الموظف حائرا وحزينا ... من بعد ما شرب الهموم سنينا
يشكو لرب العرش قلة أجره ...ويقول : ربي قد غدوت مدينا
من للعيال اذا مرضت يعولهم ...او يشتري نصف العيال رهينا
شطف الحياة الم بي زمنا فلا ... يوما سعدت ولا نسيت شجونا
مالي وايام الرخاء تعقني ... فاعيش دوما بالجراح شخينا
من للموظف يا حكومة فاخجلي ؟...وارعي حقوق الكادحينا
أبناء مصر موظفيها كلهم ... عرفوا الطريق إلي الشقاء سنينا
• ولا يمكن ان ننسي قصيدته الرائعة " مصرع رغيف " الذي احتضر احتضار وأصيب بفقر الدم فصار بلا لون ولا طعم الا المرارة في الحلق اثناء تناوله واصبح رغيف العيش يبحث عن دواء . وصار يحتضر في عهد الرخاء . يقول الشاعر إسماعيل بريك في قصيدته :

رغيف العيش يحتضر احتضارا ...ويصرخ طالباً عوناً مرارا
اتاه الفقر في دمه فاضحي ... بلا لون ولا طعم يجاري
ومن عجب الليالي ان تراه ... صغير الحجم ينحدر انحدارا
وفيها يقول :
جياع الخلق قد سئموا التمني ... وعاشوا في الدنا عيشا سرابا
ومن العجيب ان هذه القصيدة نشرت في مجلة الشعر وبمجرد نشرها استدعي قائلها الي امن الدولة للتحقيق معه بتهمة التحريض والتمرد وابراز مساويء النظام والتركيز علي عورات الحكم . ومن روائع الشاعر اسماعيل بريك قصيدة " علي باب الوزير " التي يشكو فيها الظلم الذي حل بالمواطن الشريف البسيط الذي لم يجد سلما يصعد اليه ليصل الي برج الوزير العاجي بينما المتسلقون والوصوليون والانتهازيون يجدون الابواب مفتحة أمامهم ينهلون ويرتعون ويجنون ثمار النفاق والتملق . اما الحر الذي يري العيب عيبا والخطأ خطيئة فيشرب من كئوس المرارة والحرمان . يقول إسماعيل بريك :
علي باب الوزير وضعت قلبي... وكم وطيء الوزير لنا قلوبا!!
علي باب الوزير سقاك غيث ... اذا ما كنت ذا حسب حسيبا
علي باب الوزير سقاك مر ... اذا ما انت ابديت العيوبا
علي باب الوزير الحظ يجري... لمن عرف المسالك والدروبا
علي باب الوزير هنا سؤال ... يجيب عليه من وطيء القلوبا !!
والذي وطيء القلوب لن يجيب لانه كان فاسداً في منظومة فاسدة .
الغريب ان الشاعر اسماعيل بريك عندما استضافته قناة فضائية وشدا بهذه القصيدة يفاجأ المشاهدون بالموسيقي الصاخبة والغاء الحلقة ومعاتبة الضيف الذي سيغضب الوزير . وتمر الايام واذا بمكتبة الاسكندرية تختار قصيدة علي باب الوزير للشاعر إسماعيل بريك كنموذج رائع تقدم في ورشة الالقاء للطلاب والطالبات في حفل جماهيري كبير مصحوبة بموسيقي تصويرية رائعة .
وللشاعر اسماعيل بريك العديد من القصائد الدينية التي يفيض منها الطهر والصلاح وينبثق من ثناياها الورع والتقوي . ولم لا وشاعرنا نشأ في بيئة دينية فكان والده رحمه الله من حفظة كتاب الله وادخل اسماعيل وهو طفل صغير كتاب القرية ليحفظ كتاب الله – ثم اتيحت لشاعرنا متعه الله بالصحة واغدق عليه موفور العافية ان يحج لبيت الله الحرام ويزور الاماكن المقدسة ومن هنا جاءت قصائده الدينية الموشاة بنور الايمان المطرزة بعبارات جميلة وكلمات نورانية صادقة معبرة خرجت من القلب لتتربع في قلوب المتلقين لشعره ومن قصائده الدينية : " يا من يلوذ التائبون بعفوه - الي ارض الحجاز – لحج البيت تنتشرح الصدور – كعبة الرحمن – في حب رسول الله صلي الله عليه وسلم – يارب هذي توبتي – ثم قصيدة " اله الكون " التي يقول فيها :
أنا مازلت اخشاه ...لعلمي أنه الله
إله الكون خالقه ..وما للكون إلاه
يلبي دعوة الداعي .. ولا ينسي رعاياه
ويقبل توبة العاصي ... وإن جلت خطاياه
يراه القلب يدركه .. فيدرك كنه معناه
وقد انصهر شاعرنا اسماعيل بريك في احداث امته وما حدث وجري علي ارض الكنانة او ارض العروبة الا وتماهي معه واندمج في بوتقته فكتب عن العراق وتغني ببغداد العريقة والامها واوجاعها ومصر العزيزة الغالية التي تجري في دمائه وحث بناة الوطن علي السعي للعلا والرقي ولم ينس مآساة الشعب الفلسطيني في غزة . وله في الغزل والهيام بمصرنا انشودة جميلة بعنوان " بلادي جنة الدنيا " تنساب في بحر الوطنية الهادئة وتسبح في غدير العشق الجياش بمحبة الوطن يقول في قصيدته :
بلادي جنة الدنيا ..وعين الله تحميها
اعيش العمر اعشقها .. وازرع ارضها تيها
أسالم من يسالمها .. اعادي من يعاديها
* وفيها يقول :
هنا الاهرام شامخة .. وذا فرعون بانيها
هنا القرآن تقرؤه .. دواء عند اهليها
هنا التوراة منبعها .. هنا الاديان تهديها
هنا النيل الذي يجري .. فيروي كل من فيها
* والشاعر اسماعيل بريك متعدد الاغراض – متعدد المواهب فقد جمع بين الشعر والنثر ويكتب بالعامية احيانا وله شعر غزلي رقيق وله شعر فكاهي لطيف .. وله حضور جلي في جميع المؤتمرات الادبية والمهرجانات الشعرية علي مستوي الجمهورية .. مما اتاح له الفرصة للتعرف علي ارباب العلم واصحاب المواهب ومصادقة المشهورين والمغمورين الموهوبين منهم . وكتب عن شعراء كثيرين لم نسمع بهم من قبل . كما جاء في كتابه القيم " اضواء علي احزان الشعراء " الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة .
والشاعر اسماعيل بريك مشهود له بحسن الخلق فقد احبه جميع من تعاملوا معه واقتربوا منه فأثنوا عليه الثناء الجميل اعترافا بفضله عليهم في الاخذ بأيديهم وتوجيههم وتشذيب مواهبهم وتهذيب كلماتهم ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر يقول مصطفي ابو هلال في جريدة كفر الشيخ في عدد اول يونية سنة 2001 م عندما سرقت قصيدة اسماعيل بريك واسمها " ارض الكرام " ونسبها شويعر لنفسه قال ابو هلال في نهاية مقاله عن الشاعر اسماعيل بريك " وعموما – لا تعجبوا فهذا الشاعر المجني عليه هو ابي في الشعر ॥ اي من علمني كيف اصوغ شعرا ॥ وما افعله … ليس الا ردا لبعض الجميل " ।
كما يقول شاعر اخر في تقريظ اشعار اسماعيل بريك :
لإسماعيل ازجال وشعر .. يغلفها من الانغام سحر
وسارقة الفؤاد له رنين .. واحزان الشتا ورد وزهر
واسماعيل ابيات تغني .. له في النفس منزلة وقدر
اما الشاعر اسماعيل الضنين فله قصيدة بديعة بمقدمة معبرة موحية حيث يقول : " وكل يوم يظهر شاعر جديد … ولكن ظهور الشاعر اسماعيل بريك ترك بصماته علي العديد من الشعراء … بما له من رقة في الاسلوب وبراعة في الاستهلال … وتميز في الالقاء مما اثار في الدهشة والاعجاب فكتبت في غير تملق او استجداء هذه التحية . " …. وانها لتحية صادقة مخلصة وصادق الحب يملي صادق الكلمة .
يقول الضنين في اسماعيل بريك :


قنديلنا في الشعر اسماعيل .. اشعاره فوق الندي اكليل
ملك القوا في لابديل لشعره .. ان الملوك بمثله لقليل
اني إخالك كوثرا فحديثكم .. في الامسيات مهذب ونبيل
تسدي القصائد للبلاد فشعركم .. بين القلوب مرقق وجميل
ويقول الشاعر الحسيني شعوط في اسماعيل بريك :
رأيتك بين النجوم هلالا .. وشمسا تعانق بدر السماء
وتنشر في الأفق طيب المعاني .. فالمح فيك سنا الانبياء
صبور حليم رؤوف وقور .. فأني مشيت كساك البهاء
يؤلف بين القلوب فتصفو .. ونرشف من راحتيك الدواء
تجود كانك غيث هطول .. وتصفح عمن طفي اوأساء
والحديث عن الشاعر اسماعيل بريك يطول ويطول لانه دوحة وارفة الظل يستظل بظلها الممتد العديد والعديد من شداة الشعر وعشاق الادب .
الشاعر / عبد الرحيم الشهاوي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق